د. خالد يونس الخالدي
أستاذ التاريخ الإسلامي المشارك
الجامعة الإسلامية- غزة
06/08/2009 م
أتساءل وأنا المحب لإخواني في مؤسسات حماس الإعلامية والتعليمية والثقافية، الواثق بأمانتهم ودينهم، المقدر لجهودهم الرائعة التي يبذلونها، وخاصة في قناتي الأقصى والقدس الفضائيتين، والجامعة الإسلامية، أتساءل بعد أن لم يستجيبوا لنصائحي الشفوية والمكتوبة إليهم بضرورة منع الموسيقى في مؤسساتهم المباركة، وبعد أن توسعوا في إدخالها إلى أن وصلت إلى إذاعة القرآن الكريم الخاصة بالجامعة الإسلامية، وبعد أن لم يستجيبوا إلى آلاف الاتصالات من غيورين محبين في الداخل والخارج، ينهونهم عن الموسيقى، وبعد أن كان إصرارهم عليها سبباً رئيساً في تذمر خيرة أبنائهم، وانفضاض بعضهم عنهم، أتساءل من منطلق أن "الدين النصيحة"، وحتى لا نُلعن كما لُعن بنو إسرائيل من قبل، لأنهم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، ولأننا أمة تسعى إلى نصر الله، ونصر الله لن يتنزل على المذنبين العصاة.
أتساءل :
لماذا أيها الأحبة تصرون على وجود الموسيقى في مؤسساتكم الإعلامية والتعليمية فتدخلونها إلى برامجكم واحتفالاتكم وأناشيدكم؟! وقد أكد المفسرون لقوله تعالى:" ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين"[ لقمان آية6]: أن هؤلاء الناس هم: " الأشقياء الذين أعرضوا عن الانتفاع بسماع كلام الله، وأقبلوا على استماع المزامير والغناء بالألحان وآلات الطرب"، وأن ابن مسعود أقسم بالله العظيم ثلاثاً أن لهو الحديث هو الغناء؟![ تفسير ابن كثير،ج3، ص442-443].
لماذا تصرون عليها والنبي صلى الله عليه وسلم ينهى عنها؟! فيقول:" ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر[الزنا] والحرير والخمر والمعازف"، ويتوعدهم بالمسخ إلى قردة وخنازير؟! واستدل البخاري بهذا الحديث على حرمة المعازف. [ صحيح البخاري ج5/ص2123].
ويقول عليه الصلاة والسلام: " فإذا استحلوا الزنى وشربوا الخمور بعد هذا وضربوا المعازف غار الله في سمائه فقال للأرض: تزلزلي بهم، فإن تابوا ونزعوا وإلا هدمها عليهم" [ المستدرك على الصحيحين ج4/ص561 ].
ويقول:" يُمسخ قوم من هذه الأمة في آخر الزمان قردة وخنازير، فقالوا: يا رسول الله أليس يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟! قال: بلى ويصومون ويصلون ويحجون. قالوا: فما بالهم؟! قال: اتخذوا المعازف والدفوف والقينات، فباتوا على شربهم ولهوهم، فأصبحوا وقد مسخوا قردة وخنازير، وليمرن الرجل على الرجل في حانوته يبيع فيرجع إليه وقد مسخ قرداً أو خنزيراً"[ السيوطي، الدر المنثور،ج3، ص179؛ نيل الأوطار ج2/ص86].
ويقول صلى الله عليه وسلم: "إذا ظهرت في أمتي خمس عشرة خصلة حل بهم البلاء"، وذكر منها اتخاذ المعازف [ سنن الترمذي، ج4، ص494 ].
ولا خلاف أن المعازف هي الموسيقى، إذ جاء في لسان العرب أنها العيدان[ج5/ص152 ]، وجاء في تهذيب الأسماء أنها" الملاهي وتشمل الأوتار والمزامير" [ج3/ص204].
لماذا تصرون على الموسيقى وقد أمركم الله تعالى بمحقها؟!إذ يقول نبيكم الكريم الذي تحملون رسالته:" إن الله بعثني رحمة للعالمين، وهدى للعالمين، وأمرني ربي عز وجل بمحق المعازف والمزامير والأوثان والصلب وأمر الجاهلية..." [ مسند الإمام أحمد بن حنبل ج5/ص268 ].
لماذا تظهرون المعازف ليسمعها الملايين، ونبيكم الكريم ينهاكم عن إظهارها؟! إذ يروي ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصاه فقال: " وأجب دعوة من دعاك من المسلمين، ما لم يظهروا المعازف، فإذا أظهروا المعازف فلا تجبهم" [المعجم الكبير، ج10/ص84].
وقال عليه الصلاة والسلام:" ولا ظهرت فيهم المعازف والغناء إلا صُمَّت قلوبهم" [كنز العمال،ج3، ص63].
وقال:" سيكون في آخر الزمان خسف وقذف ومسخ، قيل: ومتى ذلك يا رسول الله؟! قال إذا ظهرت المعازف والقينات واستحلت الخمر" [المعجم الكبيرج6/ص150]
وقال: " يا ابن مسعود إن من أعلام الساعة وأشراطها أن تظهر المعازف[مجمع الزوائد ج7/ص323].
لماذا تصرون عليها بحجة أن العالم الفلاني قد أباحها، والأحاديث المحرمة لها واضحة جلية؟! فهمها الصحابة والتابعون وجمهور علمائنا الأوائل، فابتعدوا عن سماعها، فقد "روى نافع قال: سمع ابن عمر مزماراً، فوضع أصبعيه في أذنيه ونأى عن الطريق، وقال لي: يا نافع هل تسمع شيئاً؟ فقلت: لا، فرفع أصبعيه من أذنيه، وقال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فسمع مثل هذا، فصنع مثل هذا"[ المغني ج10/ص173].
لماذا تصرون عليها، وأنتم في ساحة رباط وجهاد؟! بحجة أن هناك من أباحها من علماء عصرنا، وتنسون أن الفتوى تقدر زماناً ومكاناً، وأن هناك من يفتي لمسلمين يعيشون في الغرب، أو لمسلمين يغلب على حياتهم الدعة والترف، أما أهل فلسطين فيعيشون في ثغر هو ميدان قتال وساحة حرب، ولا يصح أن يأخذ أبناؤه بفتاوى تجعلهم ينشغلون بآلات الطرب عن آلات الحرب والقتال، وتشجعهم على الإقدام على سماع المغنين الذين يدعون إلى الميوعة والتخنث، بعد أن تربوا واعتادوا على حرمتها ومقاطعتها، وهل يرجى خير أو نصر من شباب يقضون الساعات وهم يستمعون إلى مغنين ومغنيات، يروجون للهوى، ويشجعون على الفواحش؟! وقد حدثني من أثق به أنه وجد في جوال أحد المجاهدين أغنية لعبد الحليم حافظ تتحدث عن الحب والهوى، وعندما سأله عن ذلك مستنكراً فعله، قال: لقد أفتى بجواز الموسيقى الدكتور فلان، وها هي فضائيات وإذاعات وجامعات حماس تصدح بالموسيقى.
أليست هذه فتنة لأبنائكم ولمجاهديكم يتحمل وزرها ونتائجها أصحاب هذه الفتاوى؟؟
لماذا يا أهل العزم والعزائم والرباط والجهاد تأخذون برأي شاذ وتتركون رأي جمهور العلماء وكبار الأئمة؟! إذ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:" مذهب الأئمة الأربعة أن آلات اللهو كلها حرام" [مجموع الفتاوى،ج11،ص576].
ويقول ابن القيم في كتابه إغاثة اللهفان:" فصل في بيان تحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم الصريح لآلات اللهو والمعازف"[ج1، ص277-278].
وقال الإمام مالك عندما سئل عما يترخص فيه أهل المدينة من الغناء: " إنما يفعله عندنا الفساق" [العلل،ج2، ص70].
وأبو حنيفة أشد الأئمة قولاً في الغناء والمعازف، ومذهبه فيه أغلظ المذاهب، وقد صرح أصحابه بتحريم سماع الملاهي كلها المزمار والدف حتى الضرب بالقضيب، وأنه معصية يوجب الفسق وترد به الشهادة[ عون المعبود ج13/ص186]
وأما الإمام أحمد فقال عبد الله ابنه: سألت أبي عن الغناء فقال: "الغناء ينبت النفاق في القلب؛ لا يعجبني" [عون المعبود ج13/ص187 ].
وليس غريباً أن نسمع عن آراء شاذة لمسلمين يستحلون المعازف، فهذا ما تنبأ به النبي صلى الله عليه وسلم كما مر بنا في الأحاديث السابقة.
لماذا أيها الكرام تأذنون بالموسيقى؟! وقد عد الخليفة الراشد صاحب أعظم تجربة في التغيير والإصلاح عمر بن عبد العزيز من أذن بها في عهده خائناً ظالماً؟! إذ يقول في كتاب أرسله إلى واليه عمر بن الوليد:" وأظلم مني وأخون من ولَّى قرة ابن شريك مصر، أعرابي جلف جاف أظهر فيها المعازف"[حلية الأولياء ج5/ص309].
ويكتب إلى عمر بن الوليد الذي أذن لرعيته بالموسيقى متوعداً فيقول:" وإظهارك المعازف والمزامير بدعة في الإسلام، لقد هممت أن أبعث إليك من يجزُّ جمتك جمة السوء" [ حلية الأولياء ج5/ص270].
لماذا تصرون عليها، فتتسببون-عن غير قصد- في إفساد الشباب المسلم الملتزم المجاهد الذي سيقدم بسببكم على سماع الموسيقى والأغاني الماجنة؟! لأنكم في نظره القدوة، وتمثلون حركة إسلامية مجاهدة؛ إنكم بذلك تسهمون في صناعة جيل مائع لاهٍ بدلاً من الإسهام في صناعة جيل قرآني جاد مجاهد.
ورحم الله عمر بن عبد العزيز الذي تصدى لهذا الانحراف الذي بدأ يصيب الأمة في العهد الأموي، وأدرك خطورته على تنشئة أجيال جادة مجاهدة، إذ نجده يوصي مؤدب ولده بأن يبعده عن سماع الموسيقى، فيكتب إليه:" بلغني عن الثقات أن صوت المعازف واستماع الأغاني ينبت النفاق في القلب كما ينبت العشب على الماء"[ عون المعبود ج13/ص184 ].
وحفظ الله المفكر الإسلامي الأستاذ محمد عمارة الذي أكد في برنامج الشريعة والحياة على قناة الجزيرة بتاريخ21/10/2007م أن على الأمة عندما تُحتل أرضها وتُمتهن مقدساتها ويُحارَب دينها أن تأخذ بفقه العزائم الذي يُحَرِّم الموسيقى-مثلاً- كما تفعل الطالبان اليوم وهي تجاهد أمريكا المحتلة لأرضها، إذ لا يصلح للجهاد والنصر والتحرير والدفاع عن الدين جيل مشغول قلبه باللهو والطرب.
ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية الذي أخذ بهذا الفقه عندما كانت الأمة تجاهد لتحرير عكا وسواحل الشام من الاحتلال الصليبي، فدعا إلى التمسك بالنصوص الشرعية، واستند عليها في تحريم الموسيقى، وتصدى بكل قوة لأصحاب الآراء المتساهلة في ذلك، وأخذت الأمة بفقهه، فأنعم الله عليها في حياته بالنصر التام على الصليبيين، وتحررت فلسطين وكل بلاد الشام من الاحتلال الصليبي سنة 690هـ/1291م بعد احتلال دام حوالي 200 سنة.
فهلَّا أخذتم يا أحبابنا -وأنتم تجاهدون لتحرير أرضكم ومقدساتكم- برأي وتجربة شيخ الإسلام ابن تيمية الذي تحررت بفضل فقهه وفكره الملتزم فلسطين والشام كلها؟!!
لماذا تصرون على الموسيقى؟! فتخالفون نهج حركتكم ومؤسسيها الأوائل-رحمهم الله- الذين تربوا وربوا أبناءهم وإخوانهم على حرمتها، وتجنبوها في أناشيدهم واحتفالاتهم على مدى أكثر من سبعين عاماً؟! إنكم بذلك تسنون في الإسلام سنة سيئة تأثمون عليها حتى بعد موتكم، مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" من سنَ في الإسلام سنة حسنة فعُمل بها بعده كُتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء، ومن سنَ في الإسلام سنة سيئة فعُمل بها بعده كُتب عليه مثل وزر من عمل بها، ولا ينقص من أوزارهم شيء"[صحيح مسلم ج4/ص2059 ].
لماذا تصرون على الموسيقى ومعظم جمهوركم ملتزم ولا يريد أن يسمعها منكم؟! وقد تلقيتم وتتلقون كل يوم مكالمات كثيرة من مختلف الأقطار يرجونكم فيها أن تتوقفوا عن الموسيقى، ويظهرون استياءهم من إصراركم عليها، وهم يعبرون بهذه الاتصالات عن آراء الملايين، لماذا لا تحترمون آراءهم وأذواقهم؟! وما هي المصلحة التي تحققونها من خلال هذا الحرام؟! وهل في الحرام أصلاً مصلحة؟!
لماذا يا إخواننا تصرون على الموسيقى وتخسرون ملايين المسلمين الذين يعتقدون بحرمتها، وتخيبوا ظنهم وأملهم وثقتهم في حركتكم التي يعدونها رمز الالتزام والجهاد؟! أليس هدفكم أن تجعلوا قضية تحرير فلسطين هي القضية الأولى لكل المسلمين الملتزمين؟ فهل يمكن أن يتحقق ذلك وهم يرون من يدعونهم إلى الالتزام والجهاد يخالفون أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في إذاعاتهم وفضائياتهم وجامعاتهم، فيغنون ويعزفون ويزمرون؟!.
لماذا الموسيقى أيها الأحبة وأنتم القادة والمجاهدون المعول عليكم في تحريض الأمة على الجهاد، وفي تحرير المسجد الأقصى؟! وما تحررت فلسطين من الاحتلال الروماني إلا على أيدي أجدادكم الرجال الذين لم تطرب قلوبهم إلا بذكر الله تعالى وتلاوة آياته، وما سقطت في أيدي الصليبيين سنة492هـ إلا عندما استحل المسلمون آلات اللهو وتهاونوا في ما حرم الله ورسوله، وظلت مغتصبة مدة91سنة هجرية، وما عادت إلى حظيرة الإسلام إلا عندما قاد الأمة رجال ربانيون جادون يأخذون بالعزائم، ويبالغون في ذلك حتى أنهم كانوا لا يبيحون لأنفسهم الضحك، أمثال نور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي.
وما فتح جنود الإسلام الأندلس ونشروا فيها دينهم إلا عندما كانوا لا يأنسون بغير سماع كتاب الله وسنة نبيه، وما ضاعت وأخرج المسلمون منها نهائياً بعد ثمانية قرون من فتحها إلا عندما استحلوا الغناء والموسيقى وغيره من المحرمات.
ولا نعجب من سقوط معظم وأهم مدن الأندلس في عهد ملوك الطوائف، إذا علمنا أن الخمر والمعازف قد انتشرت في هذا العهد، لدرجة أن إقامة الحدود على شاربي الخمر قد تعطلت، وأن بعض علماء ذلك العصر قد استحلوا الموسيقى، وعلى رأسهم ابن حزم الأندلسي الظاهري.
واعلموا أيها الكرام أن من يُتوقع منهم حاضراً ومستقبلاً نصرة فلسطين وتحرير المسجد الأقصى، ودعم أهله بأموالهم وأنفسهم ودعائهم، هم المتدينون الملتزمون بدينهم، وهؤلاء لا يريدون منكم موسيقى، ولا يرغبون في سماعها، ويعتقدون حرمتها، ويستهجنونها منكم، لأنكم في نظرهم الظاهرون على الحق، القاهرون لعدوهم، لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم حتى يأتي أمر الله، وإن أصررتم على الموسيقى فسوف يخيب ظنهم بكم، ولن يقتدوا بجهادكم، وسيُحبطوا ويفقدوا حماسهم لنصرة قضيتكم، وسيؤثر ذلك على دعمهم ودعائهم، وسوف تخسرونهم، وسيكون إعلامكم وتعليمكم عندئذ سلبياً، ولا يحقق لقضيتكم إلا نتائج عكسية.
لماذا أيها الأحبة تصرون على الموسيقى وتعرِّضون خيرة أبنائكم لفقدان الثقة بقادتهم وحركتهم والخروج أو التعلق بمنظمات أهل الغلو والتطرف؟! إذ يظنون أن القادة هم الذين قد أذنوا لكم بذلك، مع أني أعلم أن شبان يعملون في هذه المؤسسات ولا دخل لهم في الفقه أو الفتاوى هم من يقفون وراء الموسيقى ويصرون عليها، في مؤسساتكم الإسلامية المباركة.
أسأل الله تعالى أن يشرح صدورنا جميعاً لطاعته وطاعة نبيه، وأملي كبير أن تستجيبوا لنصحي وتذكيري، لأنكم مؤمنون ينطبق عليكم قول الله تعالى:" وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين"[الذاريات، آية55]، وقوله سبحانه:" وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً بعيدا"[الأحزاب، آية36].
وأملي أكبر في قادة حماس ومؤسسيها الغيورين عليها، وخصوصاً الأخوة الأفاضل أبو العبد هنية وخالد مشعل وموسى أبو مرزوق-حفظهم الله- أن يتخذوا قراراً صارماً بوقف الموسيقى من فضائياتهم وإذاعاتهم وجامعاتهم واحتفالاتهم وأناشيدهم، فإن الله ليزع [يمنع] بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.
أستاذ التاريخ الإسلامي المشارك
الجامعة الإسلامية- غزة
06/08/2009 م
أتساءل وأنا المحب لإخواني في مؤسسات حماس الإعلامية والتعليمية والثقافية، الواثق بأمانتهم ودينهم، المقدر لجهودهم الرائعة التي يبذلونها، وخاصة في قناتي الأقصى والقدس الفضائيتين، والجامعة الإسلامية، أتساءل بعد أن لم يستجيبوا لنصائحي الشفوية والمكتوبة إليهم بضرورة منع الموسيقى في مؤسساتهم المباركة، وبعد أن توسعوا في إدخالها إلى أن وصلت إلى إذاعة القرآن الكريم الخاصة بالجامعة الإسلامية، وبعد أن لم يستجيبوا إلى آلاف الاتصالات من غيورين محبين في الداخل والخارج، ينهونهم عن الموسيقى، وبعد أن كان إصرارهم عليها سبباً رئيساً في تذمر خيرة أبنائهم، وانفضاض بعضهم عنهم، أتساءل من منطلق أن "الدين النصيحة"، وحتى لا نُلعن كما لُعن بنو إسرائيل من قبل، لأنهم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، ولأننا أمة تسعى إلى نصر الله، ونصر الله لن يتنزل على المذنبين العصاة.
أتساءل :
لماذا أيها الأحبة تصرون على وجود الموسيقى في مؤسساتكم الإعلامية والتعليمية فتدخلونها إلى برامجكم واحتفالاتكم وأناشيدكم؟! وقد أكد المفسرون لقوله تعالى:" ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين"[ لقمان آية6]: أن هؤلاء الناس هم: " الأشقياء الذين أعرضوا عن الانتفاع بسماع كلام الله، وأقبلوا على استماع المزامير والغناء بالألحان وآلات الطرب"، وأن ابن مسعود أقسم بالله العظيم ثلاثاً أن لهو الحديث هو الغناء؟![ تفسير ابن كثير،ج3، ص442-443].
لماذا تصرون عليها والنبي صلى الله عليه وسلم ينهى عنها؟! فيقول:" ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر[الزنا] والحرير والخمر والمعازف"، ويتوعدهم بالمسخ إلى قردة وخنازير؟! واستدل البخاري بهذا الحديث على حرمة المعازف. [ صحيح البخاري ج5/ص2123].
ويقول عليه الصلاة والسلام: " فإذا استحلوا الزنى وشربوا الخمور بعد هذا وضربوا المعازف غار الله في سمائه فقال للأرض: تزلزلي بهم، فإن تابوا ونزعوا وإلا هدمها عليهم" [ المستدرك على الصحيحين ج4/ص561 ].
ويقول:" يُمسخ قوم من هذه الأمة في آخر الزمان قردة وخنازير، فقالوا: يا رسول الله أليس يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟! قال: بلى ويصومون ويصلون ويحجون. قالوا: فما بالهم؟! قال: اتخذوا المعازف والدفوف والقينات، فباتوا على شربهم ولهوهم، فأصبحوا وقد مسخوا قردة وخنازير، وليمرن الرجل على الرجل في حانوته يبيع فيرجع إليه وقد مسخ قرداً أو خنزيراً"[ السيوطي، الدر المنثور،ج3، ص179؛ نيل الأوطار ج2/ص86].
ويقول صلى الله عليه وسلم: "إذا ظهرت في أمتي خمس عشرة خصلة حل بهم البلاء"، وذكر منها اتخاذ المعازف [ سنن الترمذي، ج4، ص494 ].
ولا خلاف أن المعازف هي الموسيقى، إذ جاء في لسان العرب أنها العيدان[ج5/ص152 ]، وجاء في تهذيب الأسماء أنها" الملاهي وتشمل الأوتار والمزامير" [ج3/ص204].
لماذا تصرون على الموسيقى وقد أمركم الله تعالى بمحقها؟!إذ يقول نبيكم الكريم الذي تحملون رسالته:" إن الله بعثني رحمة للعالمين، وهدى للعالمين، وأمرني ربي عز وجل بمحق المعازف والمزامير والأوثان والصلب وأمر الجاهلية..." [ مسند الإمام أحمد بن حنبل ج5/ص268 ].
لماذا تظهرون المعازف ليسمعها الملايين، ونبيكم الكريم ينهاكم عن إظهارها؟! إذ يروي ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصاه فقال: " وأجب دعوة من دعاك من المسلمين، ما لم يظهروا المعازف، فإذا أظهروا المعازف فلا تجبهم" [المعجم الكبير، ج10/ص84].
وقال عليه الصلاة والسلام:" ولا ظهرت فيهم المعازف والغناء إلا صُمَّت قلوبهم" [كنز العمال،ج3، ص63].
وقال:" سيكون في آخر الزمان خسف وقذف ومسخ، قيل: ومتى ذلك يا رسول الله؟! قال إذا ظهرت المعازف والقينات واستحلت الخمر" [المعجم الكبيرج6/ص150]
وقال: " يا ابن مسعود إن من أعلام الساعة وأشراطها أن تظهر المعازف[مجمع الزوائد ج7/ص323].
لماذا تصرون عليها بحجة أن العالم الفلاني قد أباحها، والأحاديث المحرمة لها واضحة جلية؟! فهمها الصحابة والتابعون وجمهور علمائنا الأوائل، فابتعدوا عن سماعها، فقد "روى نافع قال: سمع ابن عمر مزماراً، فوضع أصبعيه في أذنيه ونأى عن الطريق، وقال لي: يا نافع هل تسمع شيئاً؟ فقلت: لا، فرفع أصبعيه من أذنيه، وقال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فسمع مثل هذا، فصنع مثل هذا"[ المغني ج10/ص173].
لماذا تصرون عليها، وأنتم في ساحة رباط وجهاد؟! بحجة أن هناك من أباحها من علماء عصرنا، وتنسون أن الفتوى تقدر زماناً ومكاناً، وأن هناك من يفتي لمسلمين يعيشون في الغرب، أو لمسلمين يغلب على حياتهم الدعة والترف، أما أهل فلسطين فيعيشون في ثغر هو ميدان قتال وساحة حرب، ولا يصح أن يأخذ أبناؤه بفتاوى تجعلهم ينشغلون بآلات الطرب عن آلات الحرب والقتال، وتشجعهم على الإقدام على سماع المغنين الذين يدعون إلى الميوعة والتخنث، بعد أن تربوا واعتادوا على حرمتها ومقاطعتها، وهل يرجى خير أو نصر من شباب يقضون الساعات وهم يستمعون إلى مغنين ومغنيات، يروجون للهوى، ويشجعون على الفواحش؟! وقد حدثني من أثق به أنه وجد في جوال أحد المجاهدين أغنية لعبد الحليم حافظ تتحدث عن الحب والهوى، وعندما سأله عن ذلك مستنكراً فعله، قال: لقد أفتى بجواز الموسيقى الدكتور فلان، وها هي فضائيات وإذاعات وجامعات حماس تصدح بالموسيقى.
أليست هذه فتنة لأبنائكم ولمجاهديكم يتحمل وزرها ونتائجها أصحاب هذه الفتاوى؟؟
لماذا يا أهل العزم والعزائم والرباط والجهاد تأخذون برأي شاذ وتتركون رأي جمهور العلماء وكبار الأئمة؟! إذ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:" مذهب الأئمة الأربعة أن آلات اللهو كلها حرام" [مجموع الفتاوى،ج11،ص576].
ويقول ابن القيم في كتابه إغاثة اللهفان:" فصل في بيان تحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم الصريح لآلات اللهو والمعازف"[ج1، ص277-278].
وقال الإمام مالك عندما سئل عما يترخص فيه أهل المدينة من الغناء: " إنما يفعله عندنا الفساق" [العلل،ج2، ص70].
وأبو حنيفة أشد الأئمة قولاً في الغناء والمعازف، ومذهبه فيه أغلظ المذاهب، وقد صرح أصحابه بتحريم سماع الملاهي كلها المزمار والدف حتى الضرب بالقضيب، وأنه معصية يوجب الفسق وترد به الشهادة[ عون المعبود ج13/ص186]
وأما الإمام أحمد فقال عبد الله ابنه: سألت أبي عن الغناء فقال: "الغناء ينبت النفاق في القلب؛ لا يعجبني" [عون المعبود ج13/ص187 ].
وليس غريباً أن نسمع عن آراء شاذة لمسلمين يستحلون المعازف، فهذا ما تنبأ به النبي صلى الله عليه وسلم كما مر بنا في الأحاديث السابقة.
لماذا أيها الكرام تأذنون بالموسيقى؟! وقد عد الخليفة الراشد صاحب أعظم تجربة في التغيير والإصلاح عمر بن عبد العزيز من أذن بها في عهده خائناً ظالماً؟! إذ يقول في كتاب أرسله إلى واليه عمر بن الوليد:" وأظلم مني وأخون من ولَّى قرة ابن شريك مصر، أعرابي جلف جاف أظهر فيها المعازف"[حلية الأولياء ج5/ص309].
ويكتب إلى عمر بن الوليد الذي أذن لرعيته بالموسيقى متوعداً فيقول:" وإظهارك المعازف والمزامير بدعة في الإسلام، لقد هممت أن أبعث إليك من يجزُّ جمتك جمة السوء" [ حلية الأولياء ج5/ص270].
لماذا تصرون عليها، فتتسببون-عن غير قصد- في إفساد الشباب المسلم الملتزم المجاهد الذي سيقدم بسببكم على سماع الموسيقى والأغاني الماجنة؟! لأنكم في نظره القدوة، وتمثلون حركة إسلامية مجاهدة؛ إنكم بذلك تسهمون في صناعة جيل مائع لاهٍ بدلاً من الإسهام في صناعة جيل قرآني جاد مجاهد.
ورحم الله عمر بن عبد العزيز الذي تصدى لهذا الانحراف الذي بدأ يصيب الأمة في العهد الأموي، وأدرك خطورته على تنشئة أجيال جادة مجاهدة، إذ نجده يوصي مؤدب ولده بأن يبعده عن سماع الموسيقى، فيكتب إليه:" بلغني عن الثقات أن صوت المعازف واستماع الأغاني ينبت النفاق في القلب كما ينبت العشب على الماء"[ عون المعبود ج13/ص184 ].
وحفظ الله المفكر الإسلامي الأستاذ محمد عمارة الذي أكد في برنامج الشريعة والحياة على قناة الجزيرة بتاريخ21/10/2007م أن على الأمة عندما تُحتل أرضها وتُمتهن مقدساتها ويُحارَب دينها أن تأخذ بفقه العزائم الذي يُحَرِّم الموسيقى-مثلاً- كما تفعل الطالبان اليوم وهي تجاهد أمريكا المحتلة لأرضها، إذ لا يصلح للجهاد والنصر والتحرير والدفاع عن الدين جيل مشغول قلبه باللهو والطرب.
ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية الذي أخذ بهذا الفقه عندما كانت الأمة تجاهد لتحرير عكا وسواحل الشام من الاحتلال الصليبي، فدعا إلى التمسك بالنصوص الشرعية، واستند عليها في تحريم الموسيقى، وتصدى بكل قوة لأصحاب الآراء المتساهلة في ذلك، وأخذت الأمة بفقهه، فأنعم الله عليها في حياته بالنصر التام على الصليبيين، وتحررت فلسطين وكل بلاد الشام من الاحتلال الصليبي سنة 690هـ/1291م بعد احتلال دام حوالي 200 سنة.
فهلَّا أخذتم يا أحبابنا -وأنتم تجاهدون لتحرير أرضكم ومقدساتكم- برأي وتجربة شيخ الإسلام ابن تيمية الذي تحررت بفضل فقهه وفكره الملتزم فلسطين والشام كلها؟!!
لماذا تصرون على الموسيقى؟! فتخالفون نهج حركتكم ومؤسسيها الأوائل-رحمهم الله- الذين تربوا وربوا أبناءهم وإخوانهم على حرمتها، وتجنبوها في أناشيدهم واحتفالاتهم على مدى أكثر من سبعين عاماً؟! إنكم بذلك تسنون في الإسلام سنة سيئة تأثمون عليها حتى بعد موتكم، مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" من سنَ في الإسلام سنة حسنة فعُمل بها بعده كُتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء، ومن سنَ في الإسلام سنة سيئة فعُمل بها بعده كُتب عليه مثل وزر من عمل بها، ولا ينقص من أوزارهم شيء"[صحيح مسلم ج4/ص2059 ].
لماذا تصرون على الموسيقى ومعظم جمهوركم ملتزم ولا يريد أن يسمعها منكم؟! وقد تلقيتم وتتلقون كل يوم مكالمات كثيرة من مختلف الأقطار يرجونكم فيها أن تتوقفوا عن الموسيقى، ويظهرون استياءهم من إصراركم عليها، وهم يعبرون بهذه الاتصالات عن آراء الملايين، لماذا لا تحترمون آراءهم وأذواقهم؟! وما هي المصلحة التي تحققونها من خلال هذا الحرام؟! وهل في الحرام أصلاً مصلحة؟!
لماذا يا إخواننا تصرون على الموسيقى وتخسرون ملايين المسلمين الذين يعتقدون بحرمتها، وتخيبوا ظنهم وأملهم وثقتهم في حركتكم التي يعدونها رمز الالتزام والجهاد؟! أليس هدفكم أن تجعلوا قضية تحرير فلسطين هي القضية الأولى لكل المسلمين الملتزمين؟ فهل يمكن أن يتحقق ذلك وهم يرون من يدعونهم إلى الالتزام والجهاد يخالفون أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في إذاعاتهم وفضائياتهم وجامعاتهم، فيغنون ويعزفون ويزمرون؟!.
لماذا الموسيقى أيها الأحبة وأنتم القادة والمجاهدون المعول عليكم في تحريض الأمة على الجهاد، وفي تحرير المسجد الأقصى؟! وما تحررت فلسطين من الاحتلال الروماني إلا على أيدي أجدادكم الرجال الذين لم تطرب قلوبهم إلا بذكر الله تعالى وتلاوة آياته، وما سقطت في أيدي الصليبيين سنة492هـ إلا عندما استحل المسلمون آلات اللهو وتهاونوا في ما حرم الله ورسوله، وظلت مغتصبة مدة91سنة هجرية، وما عادت إلى حظيرة الإسلام إلا عندما قاد الأمة رجال ربانيون جادون يأخذون بالعزائم، ويبالغون في ذلك حتى أنهم كانوا لا يبيحون لأنفسهم الضحك، أمثال نور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي.
وما فتح جنود الإسلام الأندلس ونشروا فيها دينهم إلا عندما كانوا لا يأنسون بغير سماع كتاب الله وسنة نبيه، وما ضاعت وأخرج المسلمون منها نهائياً بعد ثمانية قرون من فتحها إلا عندما استحلوا الغناء والموسيقى وغيره من المحرمات.
ولا نعجب من سقوط معظم وأهم مدن الأندلس في عهد ملوك الطوائف، إذا علمنا أن الخمر والمعازف قد انتشرت في هذا العهد، لدرجة أن إقامة الحدود على شاربي الخمر قد تعطلت، وأن بعض علماء ذلك العصر قد استحلوا الموسيقى، وعلى رأسهم ابن حزم الأندلسي الظاهري.
واعلموا أيها الكرام أن من يُتوقع منهم حاضراً ومستقبلاً نصرة فلسطين وتحرير المسجد الأقصى، ودعم أهله بأموالهم وأنفسهم ودعائهم، هم المتدينون الملتزمون بدينهم، وهؤلاء لا يريدون منكم موسيقى، ولا يرغبون في سماعها، ويعتقدون حرمتها، ويستهجنونها منكم، لأنكم في نظرهم الظاهرون على الحق، القاهرون لعدوهم، لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم حتى يأتي أمر الله، وإن أصررتم على الموسيقى فسوف يخيب ظنهم بكم، ولن يقتدوا بجهادكم، وسيُحبطوا ويفقدوا حماسهم لنصرة قضيتكم، وسيؤثر ذلك على دعمهم ودعائهم، وسوف تخسرونهم، وسيكون إعلامكم وتعليمكم عندئذ سلبياً، ولا يحقق لقضيتكم إلا نتائج عكسية.
لماذا أيها الأحبة تصرون على الموسيقى وتعرِّضون خيرة أبنائكم لفقدان الثقة بقادتهم وحركتهم والخروج أو التعلق بمنظمات أهل الغلو والتطرف؟! إذ يظنون أن القادة هم الذين قد أذنوا لكم بذلك، مع أني أعلم أن شبان يعملون في هذه المؤسسات ولا دخل لهم في الفقه أو الفتاوى هم من يقفون وراء الموسيقى ويصرون عليها، في مؤسساتكم الإسلامية المباركة.
أسأل الله تعالى أن يشرح صدورنا جميعاً لطاعته وطاعة نبيه، وأملي كبير أن تستجيبوا لنصحي وتذكيري، لأنكم مؤمنون ينطبق عليكم قول الله تعالى:" وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين"[الذاريات، آية55]، وقوله سبحانه:" وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً بعيدا"[الأحزاب، آية36].
وأملي أكبر في قادة حماس ومؤسسيها الغيورين عليها، وخصوصاً الأخوة الأفاضل أبو العبد هنية وخالد مشعل وموسى أبو مرزوق-حفظهم الله- أن يتخذوا قراراً صارماً بوقف الموسيقى من فضائياتهم وإذاعاتهم وجامعاتهم واحتفالاتهم وأناشيدهم، فإن الله ليزع [يمنع] بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق